فصل: تفسير الآية رقم (59):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
الضَّمير في {اتَّخَذُوها} يجُوزُ أن يعودُ على الصَّلاة وهو الظَّاهِر، ويجُوز أن يَعُود على المَصْدَرِ المفهُوم من الفِعْل، أي: اتَّخَذُوا المُنَاداة، ذكره الزَّمَخْشَرِي، وفيه بُعْدٌ؛ إذ لا حاجة مع التَّصْريح بما يَصْلُح أن يَعُود عليه الضَّمِير، بخلافِ قوله تعالى: {اعدلوا هُوَ أَقْرَبُ للتقوى} [المائدة: 8].
قوله تعالى: {ذَلِكَ بأنَّهُم} مُبْتَدأ وخبر، أي: ذَلِك الاسْتِهْزَاء مُسْتِقِرٌّ؛ بسبب عدم عَقْلِهِم. اهـ. باختصار.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)}.
أخرج البيهقي في الدلائل من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا ذلك بأنهم قوم لا يعقلون} أمر الله. قال: «كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى بالصلاة فقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا، فإذا رأوهم ركعًا وسجدًا استهزأوا بهم وضحكوا منهم».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبًا} قال: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي: أشهد أن محمدًا رسول الله. قال: أحرق الله الكاذب، فدخل خادمه ذات ليلة من الليالي بنار وهو قائم وأهله نيام، فسقطت شرارة فاحرقت البيت واحترق هو وأهله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن شهاب الزهري قال: قد ذكر الله الأذان في كتابه فقال: {وإذا ناديتم إلى الصلاة}.
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبيد بن عمير قال «ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كيف يجعلون شيئًا إذا أرادوا جمع الصلاة اجتمعوا لها به؟ فائتمروا بالناقوس، فبينا عمر بن الخطاب يريد أن يشتري خشبتين للناقوس إذ رأى في المنام أن لا تجعلوا الناقوس بل أذنوا بالصلاة، فذهب عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي رأى، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك، فما راع عمر إلا بلال يؤذن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد سبقك بذلك الوحي، حين أخبره بذلك عمر». اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق} أي بالحقيقة لأنه أنزل على قلبه وأنزل سائر الكتب في الألواح والصحف فلهذا كان خلقه القرآن.
وكان مهيمنًا على جميع الكتب تصديقًا عيانيًا لا بيانيًا بحيث يشاهد قلب المنزل عليه بنوره حقائق جميع الكتب وأسرارها بخلاف ما أنزل في الألواح فإن الألواح لا تشهد ولا تشاهد حقائق الكتب ومعانيها {لكل جعلنا منكم} معاشر الأنبياء {شرعة} يشرع فيها بالبيان {ومنهاجًا} يسلك فيه بالعيان {ولكن ليبلوكم} أيها الأمم {فيما آتاكم} من البيات والتبيان والحجج والبرهان والعزة والسلطان، فابتلاكم بزينة الدنيا واتباع الهوى ونيل المنى والرفعة بين الورى والنجاة في العقبى ليهتدي التائبون بالبيان، ويستفيد العاملون بالبرهان، ويحكم العارفون بالسلطان بل يقصد الزاهدون برفض الدنيا ويقدم العابدون بنهي الهوى، ويسلك المشتاقون بنفي المنى، ويجذب العارفون بترك الورى، ويسلب الواصلون بالسلو عن الدنيا والعقبى {فاستبقوا الخيرات} من هذه المقامات {إلى الله مرجعكم جميعًا} اختيارًا بقدم الصدق أو اضطرارًا بحلول الأجل {فإن تولوا} عن قبول الحق {فاعلم} بمطالعة القضاء {أنما يريد الله} في حكم القدر {أن يصيبهم} مصيبة الإعراض {ببعض ذنوبهم} وهو الاعتراض، فإن الحق سبحانه يلزم بشرط التكاليف ويقدمهم ويؤخرهم بعين التصريف. فالتكليف فيما أوجب والتصريف فيما أوجدوا العبرة بالإيجاد لا بالإيجاب {لفاسقون} لخارجون عن جذبات العناية {أفحكم الجاهلية يبغون} أيطلبون منك أن تحيد عن المحجة المثلى بعد ما طلعت شموس الدنيا وسطعت براهين اليقين وانهتكت أستار الريب واستنار القلب بأنوار الغيب {يسارعون فيهم} لأن شبيه الشيء منجذب إليه {أن يأتي بالفتح} فتح عيون القلوب {أو أمر من عنده} وهو الجذبة التي توازي عمل الثقلين {ويقول الذين آمنوا} بأنوار الغيوب في أستار القلوب {فأصبحوا خاسرين} بإبطال الاستعداد الفطري. {بقوم يحبهم ويحبونه} هم أرباب السلوك أفناهم عنهم بسطوات يحبهم ثم أبقاهم به عند هبوب نفحات يحبونه، فإن محبة الله للعبد إفناء الناسوتية في بقاء اللاهوتية، ومحبة العبد بصفته ذاته أزلًا وهي الإرادة القديمة الناسوتية. والشيخ نجم الدين الرازي المعروف بداية رضي الله عنه قد عكس القضية، فلعله فهم غير ما فهمنا. ثم قال إنه تعالى يحب العبد بصفته ذاته أزلًا وهي الإرادة القديمة المخصوصة بالغاية، والعبد يحب الله بذات تلك الصفة أبدًا {أذلة على المؤمنين} لارتفاع الأنانية {أعزه على الكافرين} ببقاء اللاهوتية وإثبات الوحدانية {يجاهدون في سبيل الله} في طلب الحق في البداية ببذل الوجود {ولا يخافون لومة لائم} عند غلبات الوجد في الوسط لدوام الشهود ذلك يعني صدق الطلب في البداية وغلبات الوجد في الوسط والاختصاص بالمحبة في النهاية {والله واسع} كرمه قادر على أن يتفضل على كل أحد لكنه {عليم} بحال كل أحد فلا يتفضل إلا على من يستأهله. {يقيمون الصلاة} يديمونها مراقبين حقوقها في الباطن بمراعاة السر {ويؤتون الزكاة} ما زكى من وجودهم وهو الفناء في الله: {وهم راكعون} راجعون إلى الله بانحطاط. فمن قيام البشرية إلى قيام القيومية هم الغالبون على أهوائهم وأنفسهم والدنيا والشيطان {الذين اتخذوا دينكم} يعني أهل الغفلة والسلو المستهزئين بأهل المحبة والقرب {من الذين أوتوا الكتاب} أي العلوم الظاهرة والكفار يعني الفلاسفة ومقلديهم لأنهم بمعزل عن العلوم اللدنية والكشفية {وإذا ناديتم إلى الصلاة} دعوتموهم إلى محل القرب والنجوى ولا يعقلون بالوهم والخيال لذاذة شهود ذلك الجمال. اهـ.

.تفسير الآية رقم (59):

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما كانت النفوس نزاعة إلى الهوى، عمية عن المصالح، جامحة عن الدواء بما وقفت عنده من النظر إلى زينة الحياة الدنيا، وكان الدليل على سلب العقل عن أهل الكتاب دليلًا على العرب بطريق الأولى، وكان أهل الكتاب لكونهم أهل علم لا ينهض بمحاجتهم إلا الأفراد من خلص العباد، قال تعالى دالًا على ما ختم به الآية من عدم عقلهم آمرًا لأعظم خلقه بتبكيتهم وتوبيخهم وتقريعهم: {قل} وأنزلهم بمحل البعد فقال مبكتًا لهم بكون العلم لم يمنعهم عن الباطل: {يا أهل الكتاب} أي من اليهود والنصارى {هل تنقمون} أي تنكرون وتكرهون وتعيبون {منا إلا أن آمنا} أي أوجدنا الإيمان {بالله} أي لما له من صفات الكمال التي ملأت الأقطار وجاوزت حد الإكثار {وما أنزل إلينا} أي لما له من الإعجاز في حالات الإطناب والتوسط والإيجاز {وما أنزل}.
ولما كان إنزال الكتب والصحف لم يستغرق زمان المضي، أثبت الجار فقال: {من قبل} أي لما شهد له كتابنا، وهذه الأشياء التي آمنا بها لا يحيد فيها عاقل، لما لها من الأدلة التي وضوحها يفوق الشمس، فحسنها لا شك فيه ولا لبس {وأن} أي آمنا كلنا مع أن أو والحال أن {أكثركم} قيد به إخراجًا لمن يؤمن منهم بما دل عليه التعبير بالوصف {فاسقون} أي عريقون في الفسق، وهو الخروج عن دار السعادة بحيث لا يمكن منهم رجوع إلى المرضى من العبادة، فبين أنهم لا ينقمون من المؤمنين إلا المخالفة، والمخالفة إنما هي بإيمان المسلمين بالله وما أمر به، وكفر أهل الكتاب بجميع ذلك مع علمهم بما تقدم لهم أن من آمن بالله كان الله معه، فنصره على كل من يناويه، وجعل مآله إلى الفوز الدائم، وأن من كفر تبرأ منه فأهلكه في الدنيا، وجعل مآله إلى عذاب لا ينقضي سعيره، ولا ينصرم أنينه وزفيره، ومن ركب ما يؤديه إلى ذلك على علم منه واختيار لم يكن أصلًا أحد أضل منه ولا أعدم عقلًا، وتخصيص النقم بما صدر من المؤمنين يمنع عطف {وأن} على {أن آمنا}. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن وجه النظم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم اتخذوا دين الإسلام هزوًا ولعبًا قال لهم: ما الذي تنقمون من هذا الدين، وما الذي تجدون فيه مما يوجب اتخاذه هزوًا ولعبًا. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{هل تنقمون} وبابه مدغمًا: حمزة وعلي وهشام {وعبد الطاعون} بضم الباء ونصب الدال وجر الطاغوت: حمزة. الباقون بنصب الطاغوت على أن. {عبد} فعل ماض عطفًا على صلة من كأنه قيل: ومن عبد الطاغوت. {مبصوطتان} بالصاد مثل {وزاده بصطة} [البقرة: 247] وقد مر في البقرة {رسالته} أبو عمرو وابن كثير وحمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي بكر وحماد. الباقون {رسالاته}.

.الوقوف:

{من قبل} لا لعطف {وأن أكثركم} على {أن آمنا}. {فاسقون} o {عند الله} ط لتناهي الاستفهام والتقدير هو {من لعنه الله} ط ومن جعل محله جرًا على البدل من {شر} لم يقف. {الطاغوت} ط {السبيل} ط {خرجوا به} ط {يكتمون} o {السحت} ط {يعملون} o {السحت} ط {يصنعون} o {مغلولة} ط وقيل: لا وقف ليتصل قوله: {غلت} وهو جزاء قولهم {يد الله مغلولة}. {بما قالوا} م لئلا يوهم أن قوله: {بل يداه مبسوطتان} مفعول {قالوا}. {مبسوطتان} ط لأن قوله: {ينفق} من مقصود الكلام فلا يستأنف. {كيف يشاء} ط {وكفرًا} ط {يوم القيامة} ط {أطفأها الله} لا قال السجاوندي: لأن الواو للحال أي وهم يسعون وفيه نظر {فسادًا} ط {المفسدين} o {النعيم} o {أرجلهم} ط {مقتصدة} ط {يعملون} o {من ربك} ط {رسالته} ط {من الناس} ط {الكافرين} o {من ربكم} ط {وكفرًا} ج لاختلاف النظم مع فاء التعقيب. {الكافرين} o {يحزنون} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قرأ الحسن {هَلْ تَنقِمُونَ} بفتح القاف، والفصيح كسرها.
يقال: نقمت الشيء ونقمته بكسر القاف وفتحها إذا أنكرته، وللمفسرين عبارات: هل تنقمون منا: هل تعيبون هل تنكرون، هل تكرهون.
قال بعضهم: سمي العقاب نقمة لأنه يجب على ما ينكر من الفعل.
وقال آخرون: الكراهة التي يتبعها سخط من الكاره تسمى نقمة، لأنها تتبعها النقمة التي هي العذاب فعلى القول الأول لفظ النقمة موضوع أولًا للمكروه، ثم سمي العذاب نقمة لكونه مكروهًا، وعلى القول الثاني لفظ النقمة موضوع للعذاب، ثم سمي المنكر والمكروه نقمة لأنه يتبعه العذاب. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ يا أهل أَهْلِ الكتاب} أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق تلوين الخطاب بعد نهي المؤمنين عن تولي المستهزئين بأن يخاطبهم ويبين أن الدين منزه عما يصحح صدور ما صدر منهم من الاستهزاء ويظهر لهم سبب ما ارتكبوه ويلقمهم الحجر، ووصفوا بأهلية الكتاب تمهيدًا لما سيذكر سبحانه من تبكيتهم وإلزامهم بكفرهم بكتابهم أي قل يا محمد لأولئك الفجرة {هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا} أي هل تنكرون وتعيبون منا، وهو من نقم منه كذا إذا أنكره وكرهه من حدّ ضرب، وقرأ الحسن {تَنقِمُونَ} بفتح القاف من حدّ علم، وهي لغة قليلة، وقال الزجاج: يقال: نقم بالفتح والكسر، ومعناه بالغ في كراهة الشيء، وأنشد لعبد الله بن قيس:
ما نقموا من بني أمية ** إلا أنهم يحلمون إن غضبوا

وفي «النهاية» «يقال: نقم ينقم إذا بلغت به الكراهة حدّ السخط، ويقال: نقم من فلان الإحسان إذا جعله مما يؤديه إلى كفر النعمة، ومنه حديث الزكاة» ما ينقم ابن جميل إلا أنه كان فقيرًا فأغناه الله تعالى «أي ما ينقم شيئًا من منع الزكاة إلا أن يكفر النعمة، فكأن غناه أداه إلى كفر نعمة الله تعالى»، وعن الراغب إن تفسير نقم بأنكر وأعاب لأن «النقمة معناها الإنكار باللسان أو بالعقوبة» لأنه لا يعاقب إلا على ما ينكر فيكون على حد قوله:
ونشتم بالأفعال لا بالتكلم

وهو كما قال الشهاب: مما يعدي بمن، وعلى وقال أبو حيان (3517): «أصله أن يتعدى بعلى، ثم افتعل المبني منه يعدى بمن لتضمنه معنى الإصابة بالمكروه، وهنا فعل بمعنى افتعل» ولم يذكر له مستندًا في ذلك.
{إِلاَّ أَنْ ءامَنَّا بالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} من القرآن المجيد.
{وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ} أي من قبل إنزاله من التوراة والإنجيل وسائر الكتب المنزلة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. اهـ.